الأربعاء، 11 أغسطس 2010

السمو الاخلاقي وباروخ سبينوزا ( من وحي اقتباساتي )

صباحكم / ومسائكم معطر بروعة الاجواء الرمضانية ..

اليوم احب ان اعرفكم على فيلسوف ناقض فلسفة عصره في تفكيره وتعليقه على الاستبداد السياسي والحق الطبيعي والاخلاق ..
ورغم اني لم اكمل له كتاب واحد الا ان مقتطفات كتبه شدتني كثيراً واثارت فيّ حس كبير للكتابة ..وعلى انه ينصف كملحد الا ان نظرته للاخلاق اعجبني كثيرا انه " باروخ سبينوزا "


من هو باروخ سبينوزا ؟
ولد سبينورزا في عام 1632م في أمستردام، هولندا، عن عائلة برتغالية من أصل يهودي تنتمي إلى طائفة المارنيين. كان والده تاجرا ناجحا ولكنه متزمت للدين اليهودي، فكانت تربية باروخ أورثودوكسية، ولكن طبيعته الناقدة والمتعطّشة للمعرفة وضعته في صراع مع المجتمع اليهودي. درس العبرية والتلمود في يشيبا (مدرسة يهودية) من1639 حتى 1650م. في آخر دراسته كتب تعليقا على التلمود. وفي صيف 1656 نُبذ سبينوزا من أهله ومن الجالية اليهودية في أمستردام بسبب إدّعائه أن الله يكمن في الطبيعة والكون، وأن النصوص الدينية هي عبارة عن استعارات ومجازات غايتها أن تعرّف بطبيعة اللهّ. بعد ذلك بوقت قصير حاول أحد المتعصبين للدين طعنه.
اقتباس من الوكبيديا ..
والان اود مناقشة بعد المقتطفات له من كتابه " الأخلاق مؤيّدة بالدليل الهندسي" سبينوزا 1665م - ترجمة د. فتح الله المشعشع"

" سأكتبُ عن الكائنات البشرية ، و كأنني أكتبُ عن الخطوط و السطوح و الاجسام الجامدة . وقد حرصتُ على ان لا اسخر أو العنَ أو أكرهَ الأعمال البشرية بل افهمها ، ولذلك نظرتُ الى العواطف .. لا باعتبار كونها رذائل و شرور في الطبيعة البشرية و لكن بوصفها خواص لازمة لها كتلازم الحرارة و البرودة و العواصف و الرعد و ماشابهها لطبيعة الجو . "

ان هذا التجرد الذي يتحدث عنه الكاتب .. مقترن بقدرة الانسان على الحكم الصحيح على الاشياء ..ان الحكم بخلفية مسبقة عن الموضوع .. والتدخل العاطفي فيها ..والذي لاتخلو تصرفاتنا عادة منه ..يعطي صورة خاطئة غالباً عن الموقف ..
ان تدخيل القناعات الشخصية في الاحكام الحياتية وعدم احترام اختلاف وجهات النظر البشرية والموجودة غالباً بسبب اختلاف وتنوع الفكر البشري ..هو مايسبب معظم الخلافات اليومية ..فعندما اعتبر انا خوف شخص ما جباناً .. هناك من يعتبره تفكيراً سليماً .. وعندما اعتبر عدم انفاق شخص للمال بخلاً مثلا ..هناك من يعتبره حسن تدبير ..
ان هذه الفوارق البشرية ..بحد ذاتها هي من تضيف الرونق والجمال على اللوحة الانسانية التاريخية الممدة من عصر ادم وحتى يومنا هذا ..وحتى الاجيال القادمة ..ان عدم الاقتناع بفرض الاحتمالات في التعاملات الاجتماعية والانسانية هو تصرف ارعن يخلو من الحكمة .. حيث ان تقيد التصرفات بمعنى واحد هو امر يحتم التشابه الفكري بين الناس وهو الامر المفروض منطقاً ..
اذا علينا ان ننظر لجميع الاحتمالات بتجرد ونظرة شملية وعدم تحقير اي قناعة او فكرة او موقف .. حتى وان كنا لا نقتنع بما يحويه من ملامح ..حيث ان كل فعل يحتمل اكثر من رد فعل وان كل سؤال يحتمل اكثر من اجابة صحيحة في الحياة غالباً ..

" على الرغم من انّني أجدُ أحياناً بطلان النتائج التي جمعتها بعقلي و تفكيري الطبيعي ، و لكن هذا لن يزيدني إلاّ اقتناعاً ، لأنّني سعيد في التفكير و جمع المعلومات و لا أضيّع أوقاتي في التحسّر و الحزن ، بل انفقها في السلام و الصفاء والسرور . "

ان تجميع الثقافات البشرية والقراءة في الخلفيات التاريخية والمواقف الانسانية هو مايزيد الانسان حكمة وسمو اخلاقي .. حيث ان الطبيعية الفطرية لنا نحن البشر تحتم علينا الميل الى الخير ..والابتعاد عن الشر بوجود الضمير والعقل الذي يحب ان يكون راضي تمام الرضا عن نفسه .. حيث اني لا اؤمن بوجود شخص ذو فطرة سليمة ويحب ان يكون ظالم .. لئيم او شرير ..وكون هذا الامر كفله لنا خالقنا - جمال الفكر البشري وبرائته - مالم تشوه الدنيا بماديتها والتربية بعاداتها السلبية وتقاليديها ..فأن القراءة في الثقافات تعطيك الكثير من الصفات الجميلة حيث انك ستميز الجميل من السيئ وتقتدي بسليم الافعال منهم ..

"السرورُ و الألم هما ارضاءُ الغريزة أو تعطيلها ، وهما ليسا سببين لرغباتنا بل نتيجة لها ، اننا لا نرغبُ في الاشياء لأنها لاتسرنا ، و لكنها تسرنا لأننا نرغبٌ فيها و لا مناص لنا من ذلك.
ويترتّبُ على ذلك ان لا يكون للانسان ارادة حرة ، لأن ضرورة البقاء تقرّر الغريزة ، و الغريزة تقرر الرغبة ، و الرغبة تقرّر الفكر و العمل . و قرارات العقل ليست سوى رغبات ، و ليس في العقل اردة مطلقة او حرة ، وهناك سبب يسيّر العقلَ في ارادة هذا الشيء او ذاك ، وهذا السبب يسيّره سببٌ آخر ، و هذا يسيّره سبب آخر و هكذا الى مالانهاية ، يظنُّ الناس أنّهم احرا لأنّهم يدركون رغباتهم ومشيئاتهم ، و لكنهم يجهلون الاسباب التي تسوقهم الى ان يرغبوا او يشتهوا .
يمكنُ مقارنة الشعور بالارادة الحرّة بحجر رُمي الى الفضاء و ان هذا الحجر لو وهب شيئاً من الشعور لظن ّ اثناء رميه وسيره في الفضاء انّه يقرّر مسار قذفه ، و يختار المكان والوقت الذي يسقطُ به على الأرض "

اراهنك انك عندما قرأت الكلام لم تفهم منه الكثير .. صدقاً احتجت الى  قراءته اكثر من 3 مرات لاستوعب الفكرة والتي لانقر بها اجمالاً نحن المسلمون ..ولكنها في نطاق معين صحيحة.. تابع الرسم البياني التالي ..




ان تفكير الكاتب يخبره بأن العقل غير مخير حيث ان الالم او السرور يحتم اتجاه افعالنا القادمة والمبنية على افعالنا الحالية ..واننا عالقون في حلقة مفرغه بين الرغبة والنتيجة (الالم او السرور) والتي تدفعنا الى رغبة اخرى وان العقل ليس له ارادة مطلقة ..كتقيد حركة الحجر المقذوف الى اعلى بقوة الجاذبية .. وهنا جاء دور التهذيب الرباني للخلق ..حيث اخبرنا بحقيقة الرغبة والغريزة وامرنا بالتحكم بها وعلمنا الطريقة ..وساعدنا بوضع نظام حياتي متقن ومنظم بحيث يمنحنا قدرة عالية على التحكم والحصول على المطلوب بطريقة صحيحة وترك بعض الاشياء التي تراود النفس والتي تحمل بعض المضرة حالياً كهدية في الاخرة ولكن بصوره افضل من وضعها الارضي الحالي .. كمكافأة للذي يتحكم بنفسه -حيث اننا كما نعلم ان النفس امارة بالسوء وتميل كثيراً عن الطريق الصحيح والعقل موجود للتقويم والتصحيح - ..

"ان اللذة هي انتقال الانسان من حالة كمال اقل الى حالة أعظمُ كمالاً . و الألمُ هو انتقال الانسان من حالة كمال أعظم الى اخرى أقلّ كمالاً . و انا أقولُ انتقال لأنّ اللذة ليست كمالاً في حد ذاته : فلو ولد انسان كاملاً لما شعرَ بعاطفة اللذة ، و نقيضُ هذا يزيدُ الأمرَ وضوحاً .
أنا أفهمُ من العاطفة اوضاع الجسد التي تزيدُ فيه أو تنقصُ قوة العمل والتي تساعدُ أو تقيّد هذه القوة ، وأفهمُ منها في الوقت ذاته الأفكار التي ترافقُ هذه الأوضاع .
و أنا أقصد بالفضيلة و القوة نفس الشيء .
و كلما زادت مقدرة الانسان في الاحتفاظ ببقائه و البحث عمّا ينفعه كلّما زادت فضيلته .
لا يهملُ انسانٌ شيئاً نافعاً له الا اذا كان يرجو خيراً أعظم منه . فإذا كان العقلُ لا يطلبُ شيئاً يتعارض مع الطبيعة ؛ لذلك يجبُ على كل انسان ان يحبَّ نفسه ، و يبحثُ عمّا يفيده ، و يسعى الى كلّ شيء يؤدّي به في الحقيقة الى حالةٍ أعظمُ من الكمال . و ان كلّ انسان يجبُ ان يحاول المحافظة على بقائه كلّما استطاع الى ذلك سبيلاً .
إن محاولةَ الفهم هي الأساس الأوّل و الأوحدُ للفضيلة . و انّ العاطفة فكرةٌ ناقصة . بحيثُ أنّ الفكرة يجبُ الاّ تنقصها حرارةُ الرغبة ، كما أنّ الرغبة يجبُ أن لا ينقصها ضوء الفكرة . لأنّ العاطفة لا تظلّ عاطفة اذا ما تكوّنت في الذهن عنها فكرةٌ و اضحةٌ جليّة
 "

عبارة تفسر حالة الانسان الذي يسمع للرقي الاخلاقي .. انه يبحث عن رضاه عن ذاته ورضا ربه عنه وبعض ما يبهجه هو ان يرى هذا الامر جلياً في نظرات الاخرين له ..ان السمو الاخلاقي ووجود مقدار عالي من الاخلاق مرتبط بالفكر السليم والانسان المثقف ..

وخذها مني نصيحة : ان رأيت انسان خلوق .. فهو حتماً ذا تفكير راقي وذا حكم سليم ورأي سديد وان لم يكن متعلماً كفاية وان رأيت انسان ليس له معايير اخلاقية عالية فهو حتماً ذا فكر ضيق ونطاق رؤية محدود ..

احببت ان اناقش هذا الموضوع على اعتاب رمضان ..
شهر الخير و" السمو الاخلاقي " الذي اتمنى ان نتسم به  طوال
العام .. كل عام وانتم بخير ..
جمانة المشيخص